ورأينا كيف أن عنق الرحم هو الجزء الذي ينتأ في جوف المهبل. ورأينا كيف أنه يتشكل من بطانة غدية تتواصل مع بطانة الرحم بالداخل، وتغطيه من الخارج بطانة ملساء تشبه الجلد. تسمى البطانة الملبيغية.
يلاحظ على عنق الرحم تبدلات طبيعية ببنائه التشريحي. هذه التبدلات تعطي لفيروس البابيلوما المكان اللازم لكي ينمو ويتطور ويعطي الآفة السرطانية.
سنشرح هذه التطورات، ومن البداية نقول مرة أخرى أنها تطورات طبيعية لا تتطلب أي علاج جراحي سوى في الحالات النادرة وعلى العكس من النظريات القديمة التي كانت تقترح وسائل مختلفة لعلاجها من الكي بالكهرباء، إلى التدمير باللازر، إلى العلاج الجراحي.
مع التقدم الطبي تبين أن هذه العلاجات لا ضرورة لها ولا فائدة منها، ما يستحق العلاج هو فقط الآفات ما قبل سرطانية والتي سنعود لها لاحقا.
ما هي هذه التغيرات الفيزيولوجية التي لا تحتاج لأي علاج:
1ـ ظاهرة الأكتروبيون ، (ويسمى بالعربي الشتر( ECTROPION
تنتج هذه الظاهرة الطبيعية عن خروج البشرة الغدية لكي تغطي السطح الخارجي لعنق الرحم. سبب هذا الخروج غير معروف وتمكن ملاحظته عند غالبية النساء، ربما لعب النشاط الهرموني أو الحمل دورا فيه. نادرا ما تشكل هذه الظاهرة سببا لعوارض صحية فما عدا بعض التهابات مهبلية أو نزوف نتيجة هشاشة هذه البشرة.
استمرار الطبقة الغدية تحت البشرة الملبيغية الجديدة قد يعطي لعنق الرحم منظرا متبدلا، و لكنه يبقي ضمن الطبيعي.
فيروسة البابيلوما الإنسانية ينتشر هذا الفيروس عن طريق العلاقات الجنسية. وقد أثبتت الدراسات العالمية WalboomersJM et al, Human papilomavirus is a necessary cause of invasive cervical cancer worldwide J Pathol 1999 ; 189 : 12-9 أنه موجود في 99،7 % من حالات سرطان عنق الرحم. مما يثبت العلاقة المباشرة بين المرضين.
تحدث الإصابة الأولى به في عمر يتراوح بين سن الـ 20 الى 30 سنة. وتطوره في عنق الرحم بطيء جدا، وغالبا ما يستغرق الأمر عدة عشرات من السنوات حتى يتطور الأمر لسرطان.
الدراسات العلمية أظهرت أن هذه الفترة بالحد الأدنى هي 7 سنوات، وبشكل متوسط 20 الى 30 سنة.
خلا ل هذه الفترة يمكن بسهولة تشخيصه إن كانت السيدة تحت المراقبة السنوية. والأمر المهم جدا والذي يستحق الإشارة إليه أن عددا ضئيلاً من السيدات المصابات بهذا الفيروس تتطور الحالة عندهن لمرحلة السرطان.
هذا ما نستنتجه من الإحصائيات العالمية.
مثلا، في الولايات المتحدة الأمريكية، يقدر أن 40% من الفتيات يحملن هذا الفيروس في العامين التاليين لأول جماع.
وفي دراسة فرنسية أجريت على 3832 سيدة من جميع الأعمار لوحظ تواجد هذا الفيروس في 14% من الحالات.
ويقدر أن 25 إلى 30 مليون سيدة أوربية تحمل هذا الفيروس، ويقدر أن احتمال التقاء السيدة مع هذا الفيروس طوال حياتها يقارب الـ 80%.
تشفى الاصابة لوحدها و يتخلص الجسم لوحده من هذا الفيروس بالغالبية العظمى من الحالات بفضل جهازه المناعي
ولكن فقط في:
ـ أقل من 1% من الحالات يحدث السرطان ـ 5% تظهر الاعتلالات أو الآفات ما قبل سرطانية Lesion Intraépithéliales ـ 25% من الحالات يكون التحري عن هذا الفيروس ايجابي باللطاخة. ـ 35% من الحالات يمكن ملاحظة الاندفاعات الجلدية المهبلية والفرجية الناجمة عن هذا الفيروس Condylome
تتوفر إحصائيا عدة عناصر تؤهب لتطور هذه الإصابة لسرطان ومنها
ـ ضعف الحالة المناعية ـ تعدد الحمول ـ التدخين ربما موانع الحمل الهرمونية ـ بعض الأمراض المعدية والمنتشرة عن طريق الجنس: مثل الكلاميديا، العقبولة "هربس" ومرض نقص المناعة المكتسب.
تبقى هذه العناصر نظرية، لا يمكن الاعتماد عليها بالتحري عن هذا المرض، ويجب أن يشمل هذا التحري جميع الفئات حتى يعطي نتيجة جيدة، وعدم الانتساب لهذه العناصر لا يشكل حماية من المرض.
أنواع الفيروس يوجد من هذا الفيروس عدة عائلات وأصناف، ويعطى لكل عائلة وصنف منها رقم. ويصل عددها إلى 120 صنف. وكل صنف يختص بنوع معين من الأنسجة، بعضها يصيب جلد أسفل القدم، وبعضها مخاطية جهاز التنفس والأنف والحنجرة. ولحسن الحظ أن عددا قليلا من هذه الأصناف يسبب السرطان، وأهمها الصنف المرقّم بـ 16 و18. ويقال عنها أنها هي الأصناف ذات الخطر العالي لتسبيب السرطان. مع إمكانية وجود أصناف أخرى اقل أهمية وانتشار لتسبب هذا المرض.
يدخل هذا الفيروس إلى عنق الرحم في المنطقة الضعيفة التي تصل بين البشرة الغدية والبشرة المالبيغية التي شرحناها أعلاه. والتغيرات الفيزيولوجية التي تطرأ على عنق الرحم هي الباب الذي يدخل منه الفيروس. وفشلت جميع المحاولات العلاجية القديمة التي أجريت لهذه التحولات، من إنقاص احتمال تطور السرطان.
يدخل الفيروس إلى داخل خلايا عنق الرحم، ويسبب في البداية تغيرات في بناء هذه الخلايا، تبقى هذه التغيرات طبيعية وقابلة للتراجع العفوي والشفاء، ولكن كشفها هو فرصة للتحري عن السيدات اللواتي قد يتطور عندهن المرض الى حالة سرطانية.
1ـ الشفاء العفوي هو القاعدة العامة، وبغالبية الحالات يتخلص الجسم عفويا ومن دون أي علاج من هذا الفيروس، ويتم الشفاء. 2ـ الدخول بحالة النوم: وهو أمر يعتمد على نوع الفيروس ولأي عائلة ينتمي، وحسب طبيعة الشخص ومقدرته الدفاعية. 3 ـ النكس و التطور: بعدد قليل من الحالات قد يعود هذا الفيروس ويصحو، كما أنه قد يدخل إلى البناء الوراثي للخلية ويحرفها عن خط تكاثرها الطبيعي فتتطور إلى خلايا ما قبل سرطانية ثم إلى خلايا سرطانية حقيقية تنتشر تسبب الوفاة مثل أي سرطان أخر في الجسم.
علاج الإصابة بالبابيلوما فيروسلا تتوفر بالوقت الحالي أي طريقة لعلاج الفيروس بحد ذاته، لا تتوفر أي مادة دوائية قادرة على القضاء على هذا الفيروس، و مختلف العلاجات المتقترحة من كي بالبارد، إلى كي كهربائي أو باللايزر، أو حتى الاستئصال القمعي للرحم، كل هذه الأساليب العلاجية تعتمد على تدمير الآفات التي خلفتها الإصابة بالفيروس، و لا تستطيع قتل الفيروس بالذات، هذه الأخيرة هي مهمة الجهاز المناعي للإنسان و الذي يستطيع القضاء على الفيروس لوحده بغالبية الحالات.
الوقاية من العدوى أمر صعب فخلافا لفيروس مرض الإيدز أو التهاب الكبد أو غيره من الأمراض المعدية جنسيا و التي ينتشر بها العنصر الممرض عن طريق سوائل البدن، و منها المني، بهذه الحالات، يمكن للواقي الذكر أن يمنع من انتشار المرض. أما بما يخص البابيلوما فيروس، فالعدوى تحصل بتلامس الجلد مع الجلد، و أن كان الرجل يحمل الفيروس على مناطق من الجسم لا يحميها الواقي الذكري، فالحماية من نشر العدوى بالبابيلوما فيروس ـ للأسف ـ غير كاملة
عندما لا تشفى الإصابة، فهي تبقى بالمكان و لا تسير مع الدورة الدموية و لا تضر الخصوبة
أعراض المرض عندما يعطي سرطان عنق الرحم أعراضه السريرية، فهذا يعني أن الورم المميت قد دخل في مرحلة متطورة والعلاجات بالنادر أن تتمكن من تأمين شفاء المريضة. في حين أن التشخيص في المراحل التي تسبق الأعراض يسمح بشفاء المريضة بالكامل.
هذا التشخيص المبكر ممكن بفضل المسح الدوري المنتظم بواسطة لطاخة عنق الرحم، أو حديثا بفضل التحري عن فيروس البابيلوما بالعنق.
بعدد قادم سنشرح كم يمكن إجراء هذا التحري، والوسائل العلاجية الممكنة.
الأمل بالمستقبل يعتمد على اللقاح المضاد للـ HPV والذي تعقد عليه الآمال، على الأقل لوقاية الجيل القادم.