ابو الريم مشرف
عدد المساهمات : 356 تاريخ التسجيل : 12/02/2012 العمر : 36 الموقع : مشرف
| موضوع: الفصل الأول: مقدمة في الطب النفسي. السبت يونيو 16, 2012 10:30 pm | |
| الفصل الأول: مقدمة في الطب النفسي.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، إمام المتقين، وقائد الدعاة المهتدين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنّ الطب النفسي فرع من فروع الطب يهتم بتشخيص وعلاج والوقاية من الأمراض والاضطرابات النفسية، تلك الأمراض التي تؤثر في حالة الفرد النفسية والعقلية والسلوكية وتؤثر في الشعور والتفكير والعلاقات الاجتماعية. ومن هنا فإنّ مجالات الطب النفسي واسعة ومتشعبة وغنية وهناك اختصاصات داخل الطب النفسي: كطب نفس الأطفال، وطب نفس المتقدمين في السن (الشيوخ)، والطب النفسي الشرعي، والطب النفسي الاجتماعي، وغير ذلك من الاختصاصات الأخرى. وتأتي أهمية الأمراض النفسية من تأثيرها الكبير والمباشر على الأمم من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية حيث نجد في الدول الغربية (50%) من أسرَّة المشافي مخصصة للمرضى النفسيين و(20%) من المرضى المراجعين للأطباء جميعا هم من المرضى النفسيين، وهناك نسبة مرتفعة من الذين يتخلفون عن عملهم يكون السبب في التخلف هو سبب نفسي وكذلك نسبة مرتفعة من الذين يفشلون في دراستهم التعليمية لأسباب نفسية ونسبة لا بأس بها من الذين يتخلفون عن الخدمة العسكرية لأسباب نفسية، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ العامل النفسي هو من أهم العوامل في الفشل الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي.
يقال: إنّ الطب النفسي أقدم فن وأحدث علم، وهذا ما يقال في غيره من العلوم، لأنّ البشرية في القديم لم تكن ضالعة في مجال العلوم، ومن هنا تبدو العلوم كافة على أنها وليدة القرون الثلاثة الأخيرة حيث توصلت البشرية فيها إلى أضعاف مضاعفة من المعلومات مقارنة بما توصلت إليه البشرية خلال الخمسين قرن السابقة لهذه القرون الثلاثة، فالإنسان القديم انتبه إلى الأمراض النفسية وسجلها وحفظها في مخطوطاته التاريخية كما هو الحال عند البابليين والمصريين القدماء واليونان ولكنهم كانوا يفسرونها على أنها بسبب الأرواح الشريرة التي تدخل البدن ولم يكن العلاج رحيما في معظم الأحيان لأنه كان يقوم على الضرب الشديد لطرد هذه الأرواح من بدن المريض وأحيانا يكون العلاج بأصناف من الأذى من خلال الأطعمة أو الأشربة التي قد تميت المريض قبل أن تخرج الروح الشريرة من بدنه، ومن خلال الكشوفات الأثرية تبيَّن أنّ المصريين القدماء هم أول من قام بعملية فتح الجمجمة عند الإنسان ويقال إنّ الغاية من فتح الجمجمة هو فتح طريق لخروج الأرواح الشريرة التي كانت تأبى الخروج من المنافذ الطبيعية في الجسم.
ومع أنّ الطبيب اليوناني العظيم أبوقراط هو أول من نفى نظرية الأرواح الشريرة كسبب للأمراض النفسية (460ـ 377 ق.م) ودعا إلى دراسة الأمراض النفسية دراسة علمية تقوم على الملاحظة والتمحيص والمتابعة وعامل الأمراض النفسية بنفس الطريقة التي عامل بها الأمراض العضوية وفسَّر الأمراض النفسية على أنها تنشأ من اضطراب في الأخلاط الأربعة (الدم والبلغم والصفراء والسوداء) فإنّ الطب في القرون الوسطى في أوروبا (300ــ 1300م) ظل قائما على نظرية الأرواح الشريرة وظل العلاج قائما على مزيد من الضرب والأذى والتعذيب وربما حرق المريض لطرح الروح الشريرة من بدنه. ولكن التاريخ يشهد أنّ المسلمين في القرون الوسطى كانوا يعاملون المرضى النفسيين كما كانوا يعاملون المرضى العضويين بمزيد الرحمة والعناية والاهتمام من خلال البيمارستانات التي كانت قائمة في مختلف الأمصار في العالم الإسلامي وعلى رأسها البيمارستانات في دمشق وبغداد والقاهرة.
ولقد تطور الطب النفسي تطورا كبيرا خلال القرنين الأخيرين سواء من حيث تشخيص الأمراض النفسية ودراسة أسبابها أم خلال مدارس العلاج للأمراض النفسية حيث يُعتبر عام (1795م) نقطة تحول في تاريخ المشافي عندما قام بينيل (PINEL) في فرنسا بإعطاء المرضى النفسيين الحرية في التصرف وقدم لهم وسائل التسلية كالموسيقى والمعاملة الإنسانية بعد أن كانوا يُقيَّدون بالسلاسل والأصفاد فتغيَّر سلوكهم وتحسَّن وضعهم بشكل ملحوظ، وتبعه تيوك (TUKE) في بريطانيا وكونولي (KONNOLLY) في أميركا، وكانت المشافي النفسية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر تُبنى خارج المدن وبعيدا عن الناس فأصبحت في الوقت الحاضر تُبنى داخل المدن حيث يخصص جناح في المشفى لمعالجة المرضى النفسيين جنبا إلى جنب مع المرضى العضويين.
وكان باراسيلسوس (PARACELSUS) يفسر الأمراض النفسية بأنها مرتبطة بالأبراج، بينما اعتبر ميبمر (MEBMER) أنّ الأمراض النفسية تعود إلى اضطراب في مغناطيسية الأخلاط، واستعمل تشاركوت (CHARCOT) التنويم المغناطيسي والإيحاء في علاج المرضى النفسيين، بينما استعمل فرويد (FROUD) التحليل النفسي (أو تداعي الأفكار) في علاج الأمراض النفسية وقسَّم مراحل تكون الشخصية إلى ثلاث مراحل (الفموية والشرجية والعضوية التناسلية) وفسَّر الأمراض النفسية على أنها نكوص إلى إحدى هذه المراحل وركز على دراسة الجنس حيث اعتبره كامنا خلف معظم الأمراض النفسية ويقوم التشخيص عنده على الثالوث العرضي: المزاح والأحلام وزلات اللسان، وأما مورغاني (MORGANI) فكان يفسر الأمراض النفسية بالاضطرابات العضوية ويعالج على هذا الأساس، وأصحاب المدرسة السلوكية يفسرون الأمراض النفسية بالتعلم الخاطئ ويدعون إلى العلاج على هذا الأساس ومدرستهم هي السائدة الآن بعد أن كانت مدرسة التحليل النفسي هي السائدة قبلها، وكان مونيز (MONIZ) أول من استعمل الجراحة العصبية النفسية عام (1936م)، ثم تبعه سيرليتي (CERLETTI) بمعالجة المرضى النفسيين بالصدمة الكهربائية. ولعل أهم مدرسة علاجية للأمراض النفسية في الطب الحديث هي المدرسة الدوائية والعلاج بالعقاقير فهي المدرسة السائدة الآن، والطبيب النفسي يعتمد قليلا على الكلام وكثيرا على الدواء في علاجه للأمراض النفسية، وقد استعمل أبوقراط الأعشاب في علاج الأمراض النفسية، والمعالجة بالدواء بدأت في العصر الحديث منذ عام (1869م)، وفي عام (1903م) استعمل أول مستحضر باربيتالي (BARBITAL) في الطب النفسي وهو دواء منوِّم، وفي عام (1950م) استعمل أول مستحضر في الطب النفسي الكلوربرومازين (CHLORPROMAZINE) وهو دواء مهدئ ومضاد للنُفاس، وتطور استعمال الأدوية وتعددت أشكالها بشكل مذهل وسريع خلال السنوات الثلاثين الماضية مما فتح المجال أمام المرضى النفسيين لمعالجة إنسانية شافية
| |
|