عجئة فلسطين
عجئة فلسطين
عجئة فلسطين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


عجئة فلسطين
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 في أدب الأطفال رؤية الحاضر بصيرة المستقبل » الفصل الثالث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو الريم
مشرف
مشرف
ابو الريم


عدد المساهمات : 356
تاريخ التسجيل : 12/02/2012
العمر : 36
الموقع : مشرف

في أدب الأطفال رؤية الحاضر بصيرة المستقبل » الفصل الثالث Empty
مُساهمةموضوع: في أدب الأطفال رؤية الحاضر بصيرة المستقبل » الفصل الثالث   في أدب الأطفال رؤية الحاضر بصيرة المستقبل » الفصل الثالث Icon_minitimeالأربعاء فبراير 15, 2012 1:01 am

تمثل كتب السيرة النبوية
في أدب الأطفال خيراً كبيراً، وتكاد أن تستأثر باهتمام الناشرين والكتاب
على حد سواء، وما تزال. ويعجب المرء لهذا العدد الكبير من السـلاسل التي
تتناول موضوع السيرة، سواء ما كان منها يتناول حياة الرسول  بصورة عامة،
أم ما كان يعرض لجوانب منها على وجه الخصوص مثل غزواته وخلقه وحياته
اليومية مع زوجاته، والصحابة، رضي الله عنهم.

لقد اجتهد الكتاب في كتبهم، إلا أن الجانب الذي يثير القلق في عدد من
هذه الكتب افتقارها إلى المنهج القويم المناط به تقديم هذه السيرة في إطار
تمثل معاني الحركة الحضارية في بناء الأمة( )، فالسيرة النبوية تحمل في
طياتها المعاني التي تحتاج إليها الأمة للعمل الحضاري باعتبار أن لها صفة
المعيارية الخالدة في الإطار العملي التطبيقي( )، فيكون المطلوب والحال هذه
محاولات جـادة وتحليل جوانب من عطـائها على عدة صعـد، مثل الصعـيد
السياسـي والدعوي والمواجهـة والمجادلـة بالتي هي أحسن والجهادي والتربوي
والاجتماعي لتكون هذه الجوانب عملاً للاقتداء والتأسي لبناء النخبة واصطفاء
الكفاءات لمشاريع النهوض( ), ولسنا نغالي ولا نحلم عندما ننظر إلى أولاد
الأمة فننظر إلى المسـتقبل، ونحن لا نعيش ليومنا، كما أريد لنا ذلك، بل
يتوجب علينا أن نعيش لغدنا ونعد أولادنا إعداداً خيراً قوياً عزيزاً رغم كل
ما يحيط بنا من عوائق ومثبطات، فلا نقف مكتوفي الأيدي مستلبي الإرادة
ونكتفي بالتغني بأخبار السيرة، ولا نبقى مسكوني واقعنا، أسارى المعوقات
التي تحيط بنا من كل جانب.

علينا أن نتعامل مع السيرة النبوية على أساس أنها تمثل الفقه والتجسيد
العملي لقيم الكتاب والسنة على أرض الواقع، وكل حركة إصلاح أو تغيير تعجز
عن تقديم الحلول وفق هده الرؤية تكون عاجزة عن تمثل القيم الإسلامية.
فالسيرة هي البيان النبوي العملي والضابط لكيفيات تعامل البشر مع الوحي
المعصوم الصالح لكل زمان ومكان( )، وما أشد حاجتنا إلى هذا في زماننا هذا
حتى تكون للأمة حركة فاعلة صحيحة طيبة تكون أفعال الرسول  هي القدوة
الصحيحة في إطار حاجات عصرنا ومتطلباته وفي ضوء واقعنا الذي نعيش. يقول
تعالى: في محكم التنـزيل: ((لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) (الأحزاب:21).

فهذه الأسوة تتطلب عزمات المؤمنين القادرين، إن شاء الله، على إضاءة
جوانبها المتعددة للأولاد، حتى يسيروا بهداها وهم يواصلون مسيرة الأمة، فلا
تكون السيرة موالد وموائد وأناشيد وطبول ومزامير تشيع فيها البدعة وتغيب
فيها السنة( )، وليست هي بطبيعة الحال قصصاً طريفة وظريفة يستمتع الأولاد
بقراءتها ويقفون عند هدا الحد بحثاً عن موضوعات طريفة أخرى، فلا يرون فيها
سوى سيرة عظيم من العظماء، مثلما يقرأون عن عظماء الفرنج في ميادين العلوم
والاختراعات والمعارك الحربية، ولا يمثلون قيم الكتاب والسنة.

إن قراءة متأنية لكثير من كتب السيرة الموجهة للأطفال تبعث الدهشة
والتساؤل والحيرة في النفوس. وتسأل كاتباً عن مصادره التي اعتمد عليها في
كتابة السيرة، فيجيب بأنها سيرة ابن هشام، هذا إن كان يتمتع بقدر من
المرجعية التاريخية المتعلقة بمصادر السيرة، وقد لا يعرف أن سيرة ابن هشام
هذه مأخوذة عن سيرة ابن إسحق المسماة «كتاب المبتدأ والمبعث والمغازي»،
فيأخـذ من سـيرة ابن هشـام ما شاء له ذلك دون أن يميّز بين الأخبار
الصحيحـة والضعيفة فيها. وقد يلجأ إلى طبقات ابن سعد أو تاريخ الطبري دون
معرفة بصحيح الأخبار وضعيفها، ودون اهتمام بالإسناد والمتن ونقدهما نقداً
علمياً، ولا يدري ضعف مرويات الواقدي على سبيل المثال إن انفرد بها دون
سائر مؤرخي السيرة ورواتها، وقد يقف عند سيرة ابن هشام معتبراً أنها قد
أوفت أخبار السيرة حقها، وربما غابت عن الكاتب مصادر مهمة مثل صحيح البخاري
وصحيح مسلم، وغيرهما من كتب السنة التي تشمل كثيراً من مرويات السيرة
الصحيحة.

وإن لم تسعف الكاتب همته في النقل عن سيرة ابن هشام وغيرها من الكتب
المتقدمة أو المتأخرة لجأ إلى مؤلفات حديثة ومعاصـرة يكتب منها ما شاء له
ذلك، ظناً منه أن فيها ما يجب أن يقدم للأولاد، لا سيما أنه ينظر إلى
مؤلفيها نظرة إجلال وتقدير تصل إلى رتبة التعظيم، فهم متألقون في عالم
الأدب، وهم نجوم لامعة فيه. ولا يكاد الكاتب يدرك أن كثيراً من تلك الكتب
الحـديثة والمعاصـرة قد اتكأت في كـثير من الأحيان على ما كتبه مستشرقون عن
السيرة، فينقل منها وهو مطمئن، دون أن يتنبه إلى خطورة ما فيها من مجازفات
ومفتريات وأخطاء. ولا بد أنه يكون تحت وطأة عجلة ناشر قد حدده بفترة زمنية
قصيرة لا تتجاوز أشهراً قليلة، فيكون مضطراً والحال هذه إلى الأخذ من هنا
والنقل من هناك، مثله مثل حاطب ليل، ليؤمن السلسلة المطلوبة في الوقت
المحدد. وقد يلجأ إلى تبسيط مادة موجهة في الأصل إلى الكبار، دون تمييز
لقيمتها العلمية، ظناً منه أن تلك المادة قد لقي صاحبها انتشاراً واسعاً
ورواجاً وربحاً، وقد أعـيدت طباعتها مـرات ومرات، فاختيار المادة لا يكون
إلا بمقدار شهرتها وانتشارها وما يمكن أن تحقق من رواج وربح، وليس لقيمتها
العلمية (!)

هكـذا ينتقل الكاتب من كتاب لآخر ومـن مصـدر إلى مرجع، في حركة عشوائية
في غالب الأحيان تفتقد إلى أصول المنهج القويم وأبسـط قواعد النقـد العلمي
في التحقق من المرويات الصحيحـة، وقد يعمـد إلى تدوين أخـبار غريبة
وأفـكار دخـيلة على السيرة عن عمـد أو غير عمـد، عن علم أو جهل. فيـتلقى
الأولاد هذا كله، وهو يعتـبر زادهم القليل أمام ما يتلقون من ثقافة عبر
وسائل الاتصال المتعـددة المثيرة التي تسـيطر على عقولهم ونفوسهم وقلوبهم،
إلا من رحم الله، وتقتلعهم من جذورهم الأصيلة، ولا يدرون ما كان يفعل السلف
الصالح بأولادهم.

فها هو ذا زين العابدين علي بن الحسين بن علي يقول: «كنا نعلم معـازي
رسـول الله  كما نعلم السور من القرآن»( )، ومغـزى هذا لا يخـفى على كل
فطن حريص على تربيـة أولاد الأمـة وفق النهج القويـم، فالقرآن منهج حياة
المسلم، والسيرة النبوية تطبيق عملي لهـذا النهج في كافة مناحي الحـياة،
صغيرها وكبـيرها. فإن أحسن فهمه وتطبيقه بتبصر ودراية مع اعتبار واقع الأمة
الآن أصبح طريق الأمة واضح المعالم حتى تنهض من كبوتها وتفيق من سباتـها
وتعمل على تقوية البنيان المرصوص لما فيه الخير بإذن الله، ليس لها وحدها
ولكن لغيرها، فيدرك (الآخر) معنى الخيرية ومعنى الإصلاح، ويعي أن هذه الأمة
لا تفسـد في الأرض مثلما تفعل الأمم الأخرى حفاظاً على مصالحها دون اعتبار
للآخرين.

ولكن للكتاب، إلا من رحم ربي، شأن معـاير لهذا السـبيل، وهم ما زالوا
يزحفون أشبه بطفل صغير غير قادر على المشي بعد، فإنهم في مجال السيرة
النبوية لا يميزون بين خبر صحيح وآخر ضعيف، ولا يقدرون عواقب ما يفعلون وهم
يكتبون أخباراً مدسوسة على السيرة بفعل نفر من المستشرقين والمسـتغربين
على حد سـواء، وهم في زحفهـم لا يقرأون ما كتب في مجال السيرة من إسهامات
المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة وجهودهم الطيبة لدراسة السيرة دراسة
علمية قائمة على الالتزام بالحق، من حيث اختيار النصوص الصحيحة والأحاديث
الثابتة من المصادر الموثوقة.

لقد أعرض عدد من الكتاب عن هذا، وآثروا السهل بالأخذ من هناك وهناك،
دون تبصر، وهم يركضون وراء انتهاز الفرص بحثاً عن موضوعات أخرى تجلب لهم
المكاسب.

هـكذا خلت كثير من كتب السـيرة للأطفال من الغاية التي يتوجب أن تسـير
نحوها، لتصبح كتباً تعـج بقصص وحـكايات طريفة وغريبة ربمـا تقرأ على سـبيل
المعرفة بالأمر بدل الجهل به، وليس على سبيل التأسي والتبصر وإعداد الأمة
للبناء. ولعل هذه المسألة الخطـيرة في ثقـافة أولاد الأمة تثير مسألة غياب
النقد العلمي في مجال ما يكتب للأولاد، في مجال السيرة على نحو خاص، وفي
مجال التاريخ الإسلامي على نحو عام، ونتأمل ونتألم ولكننا لا نقف ونبكي
ونتحسر، بل نتحرك ونعمـل حتى تواصل الأمة مسيرة قوية فاعلة تحمل الزخم
المرجو للبناء الحضاري.



السيرة النبوية في كتب الأطفال:

نتناول في هذا الباب بعض الأخبار الواردة في كتب الأطفال عن السيرة النبوية:

1- ذكرت تفصيلات تبين إرهاصات نبوة النبي  حتى قبل ولادته، فمن ذلك أن
جده عبد المطلب رأى رؤية كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء
وطرف في الأرض، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة من أرواقها نور؛ وأن
نوراً كان على وجه أبيه عبد الله قد فارقه عندما تزوج بآمنة؛ وأنه عند
ولادته ولد مسروراً مختوناً وقع من بطن أمه ساجداً؛ وأن نساء رأين نوراً
ينبعث من آمنة يملأ أطراف الأرض، وأن إيوان كسرى قد اضطرب وتهدمت شرفاته
وخبت النار فيه( ). هذه روايات ضعيفة لا تستند إلى الأخبار الصحيحة، هدفها
إضفاء هالة من الأعاجيب والمعجزات الخاصة برسالة النبي  قبل وأثناء
ولادته، وهي تصرف المرء عن الأخبار الصحيحة( ).

2- من أخبار طفـولته أنه مرض مرتين: في المرة الأولى عندما كان رضـيعاً
لم يتجاوز الأسـبوع الأول من عمره، وفي الأخرى عندما تجاوز أعوامه الثلاثة
بسبب أن التغذية لم تكن كافية في ديار بني سعد وبسبب الحر الشديد أو
البرد( ). وهنا إغفال عجيب لحادثة شق الصدر لرسول الله  وهو طفل في ديار
بني سعد، وهي ثابتة الوقوع قد أوردها الإمام مسلم، رحمـه الله( ). هذا
الإغفال للحادثة هـو اتباع لخطى من لا يطمئن إليها ما دام مستشرقون يفعلون
هذا، فمنهجهم علمي على حد زعمهم يسقط أمر الغيبيات من السيرة؛ لأنه يعصم من
الزلل كما يدّعون، لذلك تعتبر الحادثة في نظرهم مجرد نوبة عصبية أصابت
النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وهو طفل( ).

ما أثر إنكار هذه المعجزة على أولاد الأمة ؟ ما أثر اعتقادهم بمرضه وهو
طفل؟ إنهم سيتقبلون فيما بعد الخبر المدسوس عن إصابته  وهو طفل بنوبة
عصبية، وقد لا يترددون في تصديق استنتاج أكثر خبثاً ردده مستشرقون من أمثال
موير وواط ونيكلسون يفيد أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كان مصاباً
بالصرع( )، أو أن هذه الحادثة إنما هي أمر باطني وأسطوري ذو مغزى فلسفي
يتصل بالخطيئة الأولى( ).

إن تغييب الحادثة يعني تغييب الحكمة منها، فإنها كانت في طفولته عليه
أفضل الصلاة والسلام لتنقي قلبه من مغمز الشيطان وليطهر من كل خلق ذميم،
فلا يكون في قلبه إلا التوحيد( ) .

والغريب في هذا كله أن تذكر الأخبار الضعيفة الواهية المتعلقة بإرهاصات نبوته قبل وأثناء مولده، وتترك الأخبار الصحيحة الثابتة.

3- من أخبار صباه وشبابه قبل البعثة أنه كان كثير التأمل في الكون
والدنيا وفي السؤال عن الخالق وفي أمور الناس الفاسدة من حوله؛ وكان يسمع
في رحلاته عن أناس يعبدون النار أو الأصنام؛ كذلك سمع من الراهب بحيرا
حديثاً طويلاً عن أهله وقومه ومعتقداتهم، وأنه نصراني على دين المسيح عليه
السلام؛ كما قابله الراهب نسطور وحاوره عن أديان قومه وعرف أنه على دين
عيسى عليه السلام؛ كذلك قابل بعض الروم، وعرف الكثير عنهم وعن ملتهم
النصرانية؛ وسمع عليه الصلاة والسلام أخباراً عن مدين ووادي القرى وديار
ثمود أثناء رحلاته في التجارة، ونتيجة هذا كله راح يهيء نفسه لتلقي أمر
عظيم( ).

نجد هنا كيف تختلط الأخبار الغريبة، التي لم تذكر في مرويات السيرة،
بخبر عن مقابلة النبي  لراهب أثناء رحلته مع عمه في تجارة إلى الشام( )،
غير أن الكتب لم تعتمد على تفصيلات الخبر الصحيح هذا، وإنما أخذت من
المرويات الضعيفة بتفصيلاتها الواهية( ) مما يعني تأثره عليه أفضل الصـلاة
والسلام، بما أخبره به الراهب بحيرا والراهب نسـطور ومما سمع من بعض الروم
عن النصرانية، وبذلك يكون ما جاء به إنما هو لون جديد من النصرانية متأثراً
بكل ما سمع، وأن تحنثه قبل البعثة ما كان إلا تقليداً لما رأى من زهاد
النصارى، فمنهم أخذ تعاليمه في ترك الأصنام، كما يزعم المسـتشرقون( )،
فنبوته والحال هذه إنما هي أمر باطني داخلي لا علاقة له بالوحي.

أما سماعه أخبار الأمم الغابرة وقصصهم فهو مما دسّ المستشرقون( )،
وعنهم نقل بعـض الكتّاب( )، والمجازفة الخطـيرة في إيراده تقود إلى أن ما
ورد عن قصص الأولين في القرآن الكريم إنما كان ما أخذه الرسول  وهو فتى،
ولم يكن وحياً يوحى إليه، وتفنّد الآية القرآنية: ((تِلْكَ مِنْ أَنْبَاء
ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ
مِن قَبْلِ)) (هود:49) هذا الدسّ الباطل( ).

4- ذكر في بعض الكتب أن جبريل عليه السلام جاء النبي  وهو نائم في
ابتداء الوحي( ). هذه مغالطة خطيرة تستند إلى خبر ضعيف( )، وفي الصحيح أن
الوحي أتاه في اليقظة( )، والمغالطة بدورها تفضي إلى تعزيز افتراء يقول: إن
ما جاء به النبي عليه أفضل الصلاة والسلام إنما هو أمر نابع من نفسه
وعقله، وهذا بدوره يؤدي إلى فرية أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها، وهي أنه
كان يستدعي الوحي من داخله بعد أن هيأ نفسه لذلك( ).

ويهمنا في هذا الأمر رد فعل أولاد الأمة عندما يقرأون كلاماً مثل هذا
عن تلقي الوحي، ثم هم يتعرضون لمفتريات المستشرقين في شأن التراث كله على
وجه العموم، وفي أمر السيرة النبوية على وجه الخصوص، فيتقبلون هذا وذاك وقد
تهيأوا لذلك في معزل عن التحصين الفكري والثقافي المرجو.

5- ورد أنه عليه الصلاة والسلام حاول أن يتردى من رؤوس شواهق الجبل
عندما فتر الوحي فترة، وقد جاء النص في كتاب موجه للأولاد صريحاً : «حينما
هم محمد ( ) بالانتحار»( ) . هذا كلام يظهر جهلاً في التفريق بين الحديث
الموصول والحديث المرسل الذي جاء فيه عرضاً كحديث عائشة رضي الله عنها
هذا، الذي جاءت في آخره الزيادة المرسلة( )، وهي زيادة مـنكرة من حيث
المعنى، فإنه لا يليق بالنبي  المعصوم أن يحاول قتل نفسه بالتردي من الجبل
مهما كان الدافع لذلك( )، وهو القائل عليه أفضل الصلاة والسلام : « مَنْ
تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»( ).

إن هذا كلام يظهر الجهل في التفريق بين الأخبار الصحيحة والزيادات
المنكرة فيها، هذا إذا كان الكتّاب في الأصل قد اعتمدوا على الأخبار
الصحيحة الواردة عند البخاري، رحمه الله، على سبيل المثال، في مجال السيرة،
فالنقل يتم دون تمحيص أو تدقيق، فتؤخذ نتف من هنا ونتف من هناك مع
الاهتمام بالأخذ من مفتريات المستشرقين إما جهلاً وإما عمداً، والطامة
الكبرى أن يقرأ أولاد الأمة هذا.

6- ذكر أن الشيطان قد ألقى في قلب الرسول  وعلى لسانه عبارتين أضافهما
الرسول، عليه أفضل الصلاة والسلام، بطريقة لا شعورية إلى آيتين من سـورة
النجم( )، وهذه قصة الغرانيق. لقد تعددت روايات القصة، وليس فيها ما يصلح
للاحتجاج فيه، لا سيما في مثل هذا الأمر الخطير، فهي باطلـة سـنداً ومتناً
لأنها مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة( )، كما أنه يصطـدم مع عصمة
النبوة في قضية الوحي ويعارض التوحيد وهو أصل العقيدة الإسلامية( ). أما
تصـحيح بعض المستشرقين لها( ) فلأن هذا مما يوافق أهواءهم في هجومهم على
الإسلام وبيان الثغرات الخطيرة فيه( ).

ذلك ما كان من شأن بعض مما ورد في كتب الأطفال عن السيرة النبوية والرد عليه بشيء من الإيجاز.

خلاصة:

إن تأمل ما يكتب عن السيرة النبوية لأولاد الأمة، وقد رأينا نماذج منه،
يقود إلى موضوع الطرح من جهة والتوجه إليهم من جهة أخرى. فأما الطرح فقد
أشرنا إليه في موضع سابق حيث إن المادة المقدمة تميل بصورة عامة إلى تقليد
يعتمد على تسلسل حوادث السيرة اعتماداً كبيراً، فالسيرة في أدب الأطفال
تكاد لا تخرج عن إطار مرويات تحتشد بأخبار يحرص مدونوها على أن تكون طريفة
وظريفة، وكأن المسألة هنا هي سرد حكايات مشوقة زاخرة بالغريب من الأخبار،
أما الأخبار الضعيفة فحدّث عنها دون حرج، وبذلك تبقى السيرة حبيسة قمقم
التكرار. ولأن مسألة الشكل في أدب الأطفال لها أهميتها من حيث الأسلوب
والعرض، فإنها تصبح هي المقدمة على قضية المضمون، فالتشويق المتضمن في
المادة لابد أن تكون له الأولوية، وعليه تستبعد المروية الصحيحة وتقدم
عليها الضعيفة أو الواهنة بحجة أن الأخرى تحمل في طياتها عناصر الجذب
للأطفال، هذا إذا كان أمر التمييز بين الصحيح والضعيف من الروايات قائماً
في الأصل. فنحن إذاً أمام مسألة خطيرة قد جعلت من السيرة برمتها حكايات
تكتب وتروى كما تكتب وتروى الحكايات الشعبية، وهكذا تفقد السيرة قيمتها
الحقيقية في أدب الأطفال.

وهنا أمر على غـاية من الأهمـية يتمثل في حشد لابأس به من أخبار
مدسوسـة وملفقة تدخل في باب الغزو الفكري، وقد جنّد له (الآخر) طاقـات من
الخارج والداخـل حتى تكون الإصابة في مقتل، فلا مانع من أن يذكر في معرض
السيرة أن الرسول  كان قد أصيب وهو صغير بمرض، فيتلقى الأولاد هذا الخبر
على أنه من الأخبار الصحيحة، ثم يأتي خـبر مدسوس يفيد أنه كان مريضاً
بالصـرع، فيتقبلوه قبولاً حسـناً دون شك أو ريبة، وبذلك يتم التشـكيك في
أمر الوحي بأكمـله وهم يرضعون من لبان عقل (الآخر) المشبع بالمادية، المغرر
بالمنهج العلمي( ).

ولا مانع من أن يذكر في ثنايا السيرة أنه عليه أفضل الصلاة والسلام، قد
استمع إلى أخبار الأمم الماضية أثناء جولاته، ليكون هذا الخبر الباطل دساً
خبيثاً يقبله الأولاد ويبقى في عقولهم ونفوسهم عندما يواجهـون من الداخل
والخارج بحملة شرسة مفادها أن ما جاء به الرسول  لم يكن من الوحـي، وإنما
كان مما سمعـه من حوله، وقد لا يترددون في قبول أن القرآن الكريم كله من
تأليف النبي عليه أفضل الصلا والسلام، كما يزعم مستشرقون، وأنه مما لفّقه
من كتب اليهود والنصارى. فلا يكتفى بتعطيل الكبار وتحجيم طاقاتهم وعزماتهم
لخدمة الإسلام، بل تطال الإصابات الأولاد، ويتم التشكيك بالقرآن الكريم في
محاولات خبيثة لزعزعة أركان الإسلام، وبذلك يقضى على حاضر الأمة ومستقبلها
معاً.

وأما التوجه والرؤية والمنهج في تقديم السيرة فهي تعتمد كذلك على جملة
أمور تجعل من السيرة قصة عظيم من العظماء قد مضت أخباره، ولكن تبقى ذكراه
تنشد في الموالد، فتغيب الرؤية الصحيحة، ويترتب على ذلك إسقاط السيرة كمنهج
متكامل في التغيير والتحويل الثقافي وحسن التعامل مع (الآخر) وامتلاك
القدرة على إيجاد النماذج القادرة على حمل أمانة الاستخلاف والعمران( ).
وقد يقول قائل: إن هذا كلام أكبر بكثير من أن يدركه الأولاد على اختلاف
مراحلهم العمرية، فهم على حد قوله غير قادرين على استيعاب المنهج وإدراك
قيمته وأبعاده وتطبيقه في الحياة، ونرد عليه بالقول: إن كثيراً من الصحابة
رضي الله تعالى عنهم والتابعين وتابعي التابعين وغيرهم كانوا صغاراً، وقد
تمكنوا بعون الله وفضل من استيعاب معطيات السيرة وهم يعيشونها قولاً
وعملاً، وتحقق بأيديهم بقاء دولة الإسلام كما أرسى الرسول عليه أفضل الصلاة
والسلام دعائمها ورفع بنيانها، لقد وجدوا القدوة الحسنة في الرسول ،
واتبعوه كما عملوا بدعوته وأعملوا عقولهم وقلوبهم واجتهدوا وبذلوا الغالي
لنصرة الله. فهل يجد أولاد الأمة اليوم في الرسول قدوة حسنة؟ وهل يرون في
الكبار ما يعينهم على تفهم هذا واستيعابه قولاً وفعلاً ؟ هل يدرك الأولاد
معنى القدوة الحسنة وهم ينتزعون من قيمهم ويلقون في ساحات (الآخر) الفكرية
والثقافية؟

إن القضية المهمة في الأمر هي الوقوف والتأمل في السيرة والتبصّر
بمراحلها، وإدراك ما وضع الله عز وجل فيها من منهج الحركة حتى التمكن في
الأرض وتحقيق مهمة الاستخلاف الإنساني والعمراني والبشري في الدنيا والفوز
والنجاة في الآخرة( )، فهي سيرة تحتوي على جميع مراحل المجتمع القدوة( ).
والمطلوب هو استيعاب هذه المراحل وموازنتها بواقع الأمة، ابتداءً من مرحلة
الاستضعاف والاحتفاظ بالإيمان في القلب حتى تتوفر الإمكانات وتتهيأ الشروط
لمرحلة التمكين في الأرض والدفاع عن قيم الإنسان( )، فينشأ مجتمع العدل
والإحسان وإعطاء كل ذي حق حقه، وهو المجتمع المنفتح على (الآخر) يتعامل معه
بالعدل دون ظلم أو تعدٍ، في إطار الشرع الحنيف.

إن ما يهمنا في تقديم السيرة لأولاد الأمة بيان قدرة المسلمين على بناء
حضارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالحكمة والموعظة الحسنة، وما
يحمل هذا كله من خير للعالمين، وليس للمسلمين وحدهم، هذا التبصّر والفهم
والإدراك يتطلب عزمات رجال أقوياء صابرين مجاهدين بالكلمة والقلم والفعل
يتوجهون لأولاد الأمة بكل ما أوتوا من قوة، منطلقين من نواياهم الخالصة لله
وحده، فيكبر الأولاد وهم مؤهلون للقيام بدورهم في التغيير والبناء
الحضاري، متبصرين بالسيرة، فالسيرة محل اقتداء، والرسول  القدوة الحسنة،
مصداقاً لقوله عز وجل : ((لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )) (الأحزاب:21).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3j2a.mam9.com
 
في أدب الأطفال رؤية الحاضر بصيرة المستقبل » الفصل الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» في أدب الأطفال رؤية الحاضر بصيرة المستقبل » الفصل الخامس
» في أدب الأطفال رؤية الحاضر بصيرة المستقبل » الفصل الرابع
» في أدب الأطفال رؤية الحاضر بصيرة المستقبل » الفصل الثاني
» في أدب الأطفال رؤية الحاضر بصيرة المستقبل » الفصل السادس
» الفصل الثالث: اضطرابات الشخصية.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عجئة فلسطين :: المنتديات الاسلاميه :: المنتدى الاسلامي-
انتقل الى: